تعد حرائق غابات ماوي، إحدى جزر ولاية هاواي الأميركية، مأساةً إنسانية مستمرة، إذ لقي ما لا يقل عن 115 شخصاً حتفَهم، وما يزال مئات آخرون في عداد المفقودين، بينما نزح الآلاف من منازلهم. لكن مثل هذه الحرائق تعرض الحيوانات للخطر أيضاً. وغالباً ما تقضي الحرائق على الحياة البرية وعلى المواشي والحيوانات الأليفة. ويمكن أن تدمر النيران الموائل الحيوية للأنواع المهددة بالانقراض وتعرقل جهودَ الحفاظ عليها.

وبالفعل فقد هددت حرائق هاواي مركز الحفاظ على الطيور في ماوي، وهو موطن لبعض الطيور الأكثر عرضةً للانقراض في العالم. والواقع أن جميع المخلوقات التي تتنفس الهواء معرضةً لدخان حرائق الغابات وأضراره الصحية الجسيمة.

قالت «أوليفيا ساندرفوت»، عالمة البيئة بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، والتي تدرس كيفية تأثير الدخان على الطيور وغيرها من الكائنات الحية: «تعتبر الطيور معرّضة للخطر بشكل خاص، لأن لديها جهازاً تنفسياً كفؤاً بشكل لا يصدق، وهو مصمم لتوفير ما يكفي من الأكسجين للطيران».

إن الجهاز التنفسي للطيور ماهر بشكل خاص في سحب الأكسجين من الهواء، لكن إذا كانت هناك ملوثات منتشرة حوله، فإن الطيور تلتقطها بسهولة أيضاً. وما يزال تحديد كيفية تأثير الدخان على الطيور مجالا بحثياً ناشئاً، مع وجود العديد من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها. لكن الدراسات أظهرت أن الدخان يمكن أن يلحق الضررَ برئتي الطيور ويجعلها أكثر عرضةً للإصابة بالتهابات الجهاز التنفسي. ومن الممكن أن تتراكم الجسيمات الدقيقة الموجودة في الدخان، والتي تسبب مشاكل صحية موثقة جيداً لدى البشر، في المجرى التنفسي للطيور.

وقالت ساندرفوت: «نعلم أن تلوث الهواء، والدخان على وجه التحديد، يسبب ضيقاً في التنفس ويجعل التنفسَ أكثر صعوبةً على الطيور». وقد تؤدي أعمدة الدخان أيضاً إلى تعطيل رحلات الطيور المهاجرة، التي يتعرض الكثير منها للتهديد. ففي عام 2020، بدأ أوز الغراء (نوع من الطيور)، الذي يقضي صيفَه في ألاسكا، هجرات الخريف في منتصف موسم حرائق الغابات القياسي على الساحل الغربي. ووجد العلماء أن الأوز احتاج إلى أكثر من ضعف الوقت المعتاد للوصول إلى موقع توقفه التقليدي في ولاية أوريجون، وكانت مسارات طيرانه أطول بحوالي 500 ميل.

وقال أندرو ستيلمان، عالم البيئة في مختبر كورنيل لعلم الطيور الذي يدرس كيفية تأثير الحرائق الكبرى على الطيور: «لقد بدأنا نرى أنه يتعين على الطيور اتخاذ خيارات صعبة عندما تواجه دخاناً كثيفاً». ويمكن للطيور البقاءَ وانتظار اختفاء الدخان، مما قد يتركها عالقةً لعدة أيام في منطقة غير مألوفة ويؤخر هجرتَها.

ويمكنها التحليق حول الدخان، وإجراء تحويلات تطيل زمن رحلاتها وتستهلك احتياطيات الطاقة الثمينة. أو يمكن للطيور الاستمرار في التحليق عبر الدخان واستنشاقه أثناء مرورها. وقال ستيلمان: «في كلتا الحالتين، فإن وضع الطيور المهاجرة يكون أسوأ عندما تصل أخيراً. وبعضها لا ينجو من تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر». وتستكشف ساندرفوت كيف يغير الدخانُ سلوكَ الطيور وكيف تختلف هذه الاستجابات وفقاً للأنواع والظروف.

ويبدو أن بعض الطيور الجارحة تنجذب إلى الحرائق، ربما لأن الحيوانات الصغيرة الهاربة أو المصابة تعد بمثابة عشاء سهل. لكن ما هي الأنواع الأكثر عرضةً لحرائق الغابات؟ وهل تجد الطيور التي تعيش في موطن أكبر أن الهروب أسهل من تلك التي تعيش في مناطق أصغر؟ وهل تستجيب الطيور التي تعيش في المناطق المعرّضة للحرائق بشكل مختلف عن تلك التي تعيش في الأماكن التي تشكل فيها حرائق الغابات تهديداً جديداً؟ وهل تختلف الاستجابات في أوقات مختلفة من السنة؟قالت ساندرفوت: «كل هذا العمل موجه نحو الإجابة على الأسئلة التي أسمعها مراراً وتكراراً من مراقبي الطيور في مجتمعنا، إذ يريد الناس معرفةَ ما يحدث للطيور عندما يكون الجو مليئاً بالدخان».

ويسعى أحد الجهود الجديدة، تحت اسم «مشروع فينيكس»، إلى البحث عن سكان كاليفورنيا الذين يرغبون في قضاء 10 دقائق أسبوعياً في مراقبة طيورهم المحلية خلال موسم الحرائق. وقالت ساندرفوت إنها تأمل في معرفة كيف تغير الطيور استخدام بيئتها استجابةً للدخان، وما إذا كان توفير مغذيات الطيور وأحواض الاستحمام «يمكن أن يساعدها على الازدهار مع استمرار الدخان في المناظر الطبيعية». وأضافت: «آمل أن أجمع كل ذلك معاً وأن يساعدنا حقاً في معرفة ما يمكننا القيام به لمساعدة الطيور عندما نرى المزيد والمزيد من الدخان».

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

*مراسلة لصحيفة «نيويورك تايمز»